تخزين المواد الغذائية والمياه في الدول الغربية استعداداً للأسوأ




كشفت صحيفة “ميل أون لاين” اللندنية عن قيام أعداد كبيرة من الأسر البريطانية والأمريكية بالتأهب لمواجهة كوارث قد تكون أصعب من الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية وقال: “لنتخيل المشهد، في نهاية يناير كانون الثاني عام 2012 أصبح واضحاً أن العام المقبل لن يبدو مجرد نزهة، بل يمكن أن يشهد إفلاسات دول وتخاذل دول أخرى عن سداد التزاماتها من الديون، وستفشل اليونان في تحقيق التزاماتها الخاصة بالمديونيات ولن تمضي أسابيع قليلة حتى تلحق إيطاليا وإسبانيا بها . 






تتابع إفلاسات البنوك في بريطانيا والقارة الأوروبية الواحد إثر الآخر وتشرع حجارة الدومينو في التداعي بتأثير الزبائن الفزعين الذين يتزاحمون على بوابات البنوك لسحب أموالهم وودائعهم . ولم يكن يخال أحد أن بنوك عملاقة ستتهاوى الواحد بعد الآخر، وبعد أن بلغت هذه البنوك من الضخامة حداً كبيراً باتت تشكل عبئاً على الحكومة البريطانية التي تجد نفسها مجبرة على مد يد الإنقاذ والعون لها . 






ويخيم الفزع على عامة الناس في أعقاب ذلك، وفي غضون سويعات تفرغ الصرافات الآلية ومنافذ الصرف من الأموال كما تفرغ أرفف مراكز التسوق بالكامل من المواد الغذائية .






وما يضاعف الوضع سوءاً هو تعرض بريطانيا لمنخفضات جوية شديدة . وبينما تتراجع درجات الحرارة وتتساقط الثلوج تتوقف الحركة على الطرقات بالكامل في حين أن قطاعات كبيرة من البلاد تتعرض لانقطاع الكهرباء وتعيش في ظلام دامس .






وقد يستخف كثيرون بما يتوقعه الاقتصاديون من أن بريطانيا ستتعرض لحالة من الفوضى العنيفة والوحشية . ولكن على نقيض الصيف الماضي فإن المراهقين في شوارع لندن لن يبحثوا عن الأجهزة الإلكترونية الثمينة بل سيسعون لنهب المواد الغذائية . 






ولكن هل يمكن القول إن تلك ليست سوى قصص خيالية؟ ربما يكون ذلك صحيحاً ولكن في هذا العالم المتخبط، والذي أصبحت تطوراته غامضة، فإن مثل هذا السيناريو يمكن أن يصبح حقيقة، ولذلك لا يمكن استبعاد تبلور تلك النبوءات وتحولها إلى حقيقة مأساوية . وعلى الرغم من غرابة مثل تلك السيناريوهات، فإن الكثيرين باتوا يعدون أنفسهم لمواجهة مثل تلك الأحداث المفزعة .






وتتخذ الخطوات الضرورية في أنحاء البلاد لمواجهة مثل ذاك الموقف، ولكن لن تتخذ مثل تلك المواقف الحكومات المركزية ولا المحلية . وتتركز معظم خطط الطوارئ على أهم ما هو موجود في المجتمع وعلى أكثر الأمور هشاشة في المجتمع . 






وبدلاً من الإجراءات الحكومية يتولى السكان العاديون البسطاء تلك المسؤوليات ويلجأون إلى تخزين المواد الغذائية، خاصة غير القابلة للتلف فيشترون أيضاً مضخات مياه وأجهزة تنقية، فضلاً عن شراء مدافئ متنقلة . 






وبينما كان مثل هذا السلوك قبل خمس سنوات يفسر على أنه ناجم عن مخيلة أناس غريبي الأطوار يتوقعون نهاية العالم، فإن أولئك الذين يقومون بهذه الأعمال في هذه الأيام هم من المحترفين المهرة على كل الصعد . 






ويمكن القول إن السكان البسطاء والعاديين هم الأكثر استعداداً لذلك اليوم، ولذلك فهم يخزنون المواد الغذائية وكل البضائع اللازمة حتى يكتب لهم البقاء .






وتتم عمليات الشراء بكميات كبيرة خاصة الأغذية والمياه النقية، وهي إجراءات احترازية مهمة .






وتقوم الشركات ببيع المواد الغذائية المجمدة وفقاً لعمليات مقننة، وهذه المواد مجمدة في حاويات من الصفيح خالية من الهواء وتنتهي صلاحيتها خلال 25 عاماً . وتشهد تلك الكميات المحفوظة عمليات بيع واسعة النطاق في الأشهر الأخيرة وتتضاعف الكميات المباعة عشرة أضعاف عما كانت عليه في الأعوام السابقة .






وتكتسب رزم الوجبات العائلية الفورية شعبية خاصة تمنح الأسرة فرصة لمواصلة العيش لفترة تزيد على ثلاثة أشهر إذا ما أضفنا إلى تلك الوجبات المياه . ولن تعتبر رزمة الوجبات، التي ستباع بنحو 1500 جنيه استرليني، رخيصة . ويعتقد الكثيرون من القادرين على الشراء أنهم يستثمرون أموالهم بحكمة . وأنهم في تلك الآونة سيعتبرون أنفسهم في وضعية مثالية تجعلهم يحسنون اتخاذ القرارات . 






يقول جيمس بليك مالك شركة متخصصة في تخزين أغذية الطوارئ “لا يمكن وصف عمليات الشراء هذه بأنها نابعة من مس من الجنون . بل إن أكثر زبائننا من الشخصيات النافذة . والمعروف أن أعداداً غفيرة من الناس تؤمن على حالتها الصحية أو على منازلها أو حياتها، ولا شك أن ذلك تأمين على الغذاء أيضاً . وبالطبع فإننا نأمل ألا يحدث ذلك بالطبع، ولكن لو حدثت كارثة كبرى فعند ذلك تكون الأموال التي صرفت على تخزين المواد الغذائية تستحق الإنفاق ولها قيمة كبيرة بعد يومين فقط من وقوع الكارثة . ويصبح الغذاء القيمة الأكبر المتداولة بين الناس . 






وتبيع شركة ديف حنا “بي-بريب” منتجات مماثلة . ويقول إن عدداً من زبائنه هم من المصرفيين رفيعي المستوى حيث ينفق الواحد منهم بمعدل 3 آلاف جنيه استرليني . 






يقول حنا “إن هؤلاء لا يخفون فزعهم مما هو قادم، ياترى ما المعلومات التي بحوزتهم؟ فعندما يتحدثون على الهاتف يقولون لي: “كل ما نشاهده من عظمة سيتداعى” . 






وبالطبع، فإن تلك الأحاديث قد تنصب على البيع، وسيضاعف جنون التخزين أرباح شركتنا، ولكن دون أدنى شك فإن بعض العائلات تقوم بالتخزين استعداداً للأوقات العصيبة . ومن بين أولئك ليندا ميه أول (51 سنة) وهي من بول إن دورسيت . 






وليندا أم لتوأمين تبلغ أعمارهم 17 عاماً فضلاً عن صبيين أعمارهم ما بين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة . وقد عانت الأمرين منذ حدوث الأزمة المالية العالمية . واضطرت لإغلاق شركة الغسيل والكي التي تمتلكها ولجأت إلى تعليم الإنجليزية للأجانب .ولكن لفترة قصيرة .






لكن وظيفتها كانت متقطعة . ففي الصيف الماضي كان لديها عقد مدته شهران وهي الآن تناضل بالعمل لساعات إضافية خلال الأسبوع . وفي النتيجة، باتت على معرفة كاملة بأهمية أن تخزن مواد غذائية لإطعام أسرتها في أوقات الطوارئ . 






وطبقاً لاحتمالات وقوع كوارث فهي تخزن المواد الغذائية في مطبخها عبارة عن 100 علبة خضراوات وأسماك كما لديها مخزون جيد من الأرز والمكرونة .






وتبرر ليندا الأسباب التي تدفعها إلى التخزين قائلة: “أعتقد أن لدي مخزون يكفيني وأولادي لستة أشهر عبارة عن معلبات ومجمدات وتضم أيضاً أغذية مجففة لأنها لا تحتل مساحة كبيرة في منزلها، وهي ستوفر لها البقاء وأبنائها في أوقات الشدة . وتقول مي أول إن حاستها للتخزين أصبحت نشطة وحاذقة وتعلمت ذلك من تقلبات المناخ الاقتصادي والمالي خلال أزمة الديون السيادية الأوروبية وأزمة اليورو . وتوقعت أن تتفاقم أي أزمة في حال عدم توفر ما يكفي من المواد الغذائية . فلا بد من الاستعداد لأننا لا ندري ما تخفيه الأيام المقبلة . لكني لست متشائمة بالمطلق ولدي كل الإيمان بالحكومة ولدي إيمان أكبر بفكرة تخزين المواد الغذائية . وهو ما يجعلني أشعر بالأمان ريثما يتم تجاوز المحن .






ولكن هل تلك الظاهرة ناجمة عن إجراءات احترازية أم نتيجة لمبالغة في ردود الفعل على الأحداث من حولنا؟ 






كلا الحالين صحيح، ففي الأعوام الأخيرة وقعت أحداث أدت إلى إثارة المخاوف حول هشاشة البنية التحتية لدول العالم المتقدم في القرن ال 21 .






لنأخذ مثلاً أزمة الوقود التي شهدها العالم في عام ،2000 فعندما ارتفعت أسعار الديزل، قطع سائقو الشاحنات الطرق عن مصانع التكرير . وعلى نحو فوري كشف هذا التصرف ضعف المجتمع الذي يحصل على مواده الغذائية من سلاسل الإمداد .






وفي غضون بضعة أيام أصبحت أرفف أسواق المواد الغذائية خالية تماما، وكان أصحاب مراكز التسوق حذروا الحكومة البريطانية من أن احتياطي الأغذية المتبقية في الأسواق لن تكفي أكثر من ثلاثة أيام .






وجاء بعدها إعصار كاترينا في عام 2005 . وفي غضون أيام كان سكان أغنى دولة في العالم ينهبون المحال لإطعام أنفسهم وأولادهم . 






وحلت بعد هذه الكارثة الأزمة المالية العالمية في سبتمبر/أيلول عام 2008 عندما كشف البنك الملكي الاسكتلندي الأزمة التي وصلت أصداؤها للعالم كله . وتبين لاحقاً أن ماكينات الصراف الآلي لم يبق أمامها سوى بضعة ساعات حتى تنفذ من النقود . 






ربما تتوفر لديك أرصدة في البنك، ولكن ماذا لو أخفقت في الحصول عليها وبالتالي انقطعت عنك إمكانية شراء الغذاء وقد يتعرض البنك أيضاً لعملية عجز واسعة عن سداد الديون أو توقف المحال التجارية تعاملها بأية أدوات باستثناء الأموال النقدية؟ 






وأخيراً، من سينسى الضربات الموجعة التي عانت منها اليابان في هذا العام؟






أولاً، جاء الزلزال وتبعه التسونامي وفي أعقابه كارثة المفاعل النووي . 






قد يستخف البعض بهذه الأحداث على الرغم من الألم والخسائر التي تسببت بها، وربما يفترضون أنها تقع مرة واحدة في الزمان . ولكن كل ذلك يكشف كيف، وبعد عقود طويلة، نجد أن الإنسان المعاصر لم يأخذ احتياطاته وحذره لمواجهة تلك الكوارث التي قد تسقط على الإنسان على حين غرة . 






ومع ارتفاع أسعار المواد الغذائية وصراع البلدان للتغلب على أعباء الديون، يتوقع البعض أن تحل سنوات مليئة بالقلاقل وعدم الاستقرار .






وقد أقام السيد بليك مخزن طوارئ للمواد الغذائية في ليدز بالمملكة المتحدة في عام 2009 . ولعله نقل هذه الفكرة عن الولايات المتحدة حيث باتت فكرة الاستعدادات الذاتية توجهاً رئيساً في حياة الكثيرين . 






ويرى أن “الوضع الأمريكي مختلف تماماً، حيث تقوم الحكومة بتشجيع الناس على إعداد أنفسهم لمواجهة الكوارث، ويرى الأمريكيون أن الاضطرابات المدنية يمكن أن تتبعها كوارث . وهم، أي المسؤولين الأمريكيين إذا شجعوا على تخزين الغذاء والماء فإن البلاد ستنجو من الاضطرابات المدنية فيما تجري الاستعدادات لاستعادة البنية التحتية إلى وضعها الطبيعي .






وطبقاً لحديثه فإن البريطانيين يرون عكس ذلك، فهم يعتقدون أن بإمكانهم الحصول على الغذاء في أي وقت وليست هناك ضرورة لأي تخزين .






وتابع: “فقط عليك أن تفكر ماذا سيحدث لو نفذ الغذاء من مطبخك إذ لن تتمكن من الحصول على المواد الغذائية بعد ستة أسابيع، وقد يكون السبب التساقط الكثيف للثلوج أو لأسباب أخرى، إذن كيف ستنجو أنت وأسرتك؟






والواقع أن الأغلبية الساحقة من الناس ستكتشف أنها غير قادرة على تحصيل كفايتها من الغذاء بعد أسبوع . كل ما عليك القيام به هو الإعداد لتلك المفاجآت، وهو ما ننصح به؟” . 






وفيما تكون الوسيلة الأبسط هي تخزين المواد الغذائية خاصة المعلبات والمنتجات المجففة والمجمدات التي تتسع شعبيتها . وتوصف شركة “ماونتن هاوس” على أنها لاعب رئيس في هذا المجال وتحمل العلامة التجارية الأمريكية، وكانت شرعت بتصنيع منتجاتها في بريطانيا قبل خمس سنوات . وارتفعت مبيعاتها من المعلبات، خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية، إلى 350 في المئة، وتشبه المعلبات تلك التي يحملها المتسلقون في رحلاتهم والجنود في أرض المعركة .لكن بسبب كونها معلبات وليس علباً كرتونية فإن عمرها الافتراضي قد يتعدى ال 25 عاماً وليس خمس سنوات . 






ويتم إنتاج تلك المعلبات بطريقة تحضير الوجبات العادية، حيث تطهى وتجمد سريعاً ويستخرج منها الماء بطريقة الضغط وهي عملية يطلق عليها التبخير .






وتحافظ الأغذية المحفوظة المجففة والمجمدة على طعمها وعلى قيمها الغذائية بنسبة 97% . كما يخف وزنها وحجمها بنسبة عالية . وعلى سبيل المثال فإن الألف كيلوغرام من الفراولة تصبح 100 كيلوغرام من الفاكهة المجففة بالتجميد . وتعود تلك الوجبات إلى حجمها الطبيعي تقريباً بإضافة الماء الساخن أو البارد . 






ونظراً لأن تلك المواد تحتوي على طاقة مكثفة جداً، فإن تلك المواد الغذائية ليست رخيصة . 






شركة بي-بريب اللندنية التي تصنع تلك المواد استقبلت طلبيات مضاعفة العام الماضي . ويؤكد مؤسسها ديف حنا أنه لا يتوقع أن تحل كارثة شبيهة بيوم القيامة على بريطانيا، لكن تخزين ما يكفي من المواد الغذائية تكفي لفترة تتراوح ما بين الأسبوع والشهر طريقة معقولة للاستعداد لمواجهة أزمة ممكنة . ويقول “قبل جيلين كان الناس يخزنون المواد الغذائية في بيوتهم . وما أشبه اليوم بالبارحة . وليس ضرورياً توقع كارثة لكي نهرع إلى التخزين” .






وهناك من يخزنون المواد الغذائية سعياً وراء التوفير حيث يشترون كميات كبيرة من الغذاء بأسعار زهيدة . وأوضح أن أحداث العالم الأخيرة جعلته أكثر حذراً، وقال: “أعتقد أن الانكماش في عام 2008 جعل الناس أكثر وعياً وهو أن المواد الغذائية في مراكز التسوق لن تدوم طويلاً” . مشيراً إلى مخاوفه من تعرض إمدادات الغذاء لهجمات إرهابية . فبعد يوم الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول لجأ الكثيرون إلى تخزين المواد الغذائية تحسباً من هجمات إرهابية أخرى . وأعتقد أن الناس على أعياد الميلاد ستتوفر لديهم موارد مالية كثيرة يستطيعون بها شراء كميات كبيرة من الأغذية كما نفعل نحن الأمريكيين . وسيكون لذلك جدوى اقتصادية، ويعني ذلك أنك لن تؤخذ على حين غرة في حال تداعى الاقتصاد على نحو غير محسوب . 






تيم لانج أستاذ السياسات الغذائية في جامعة مدينة لندن يقول إن امتلاك أفق مستقبلي حول المخاطر المحتملة مسألة مهمة . ويضيف الأكاديمي المرموق لانج الذي يحظى باحترام واسع أنه في الوقت الذي تتسع فيه رقعة الخطر من نقص المواد الغذائية، فإنه لا ينبغي المبالغة في توصيف تلك المخاطر . لكنه لم يبد دهشته إزاء قيام قطاع كبير من الناس بتخزين المواد الغذائية والاستعداد لمواجهة تطورات غير متوقعة . ورأى أن الموقف العام في الولايات المتحدة هو أننا لا نقوم بذلك من أجل الآخرين فقط بل من أجل أنفسنا أيضاً “فالناس يشعرون بالقلق والتهديد والعصبية” . ويعم الغرب حالياً “إحساس كبير بعدم الأمان وأعتقد أن ذلك بحد ذاته مثير للقلق . وهكذا باتت عملية تخزين المواد الغذائية جزءاً جوهرياً من الوعي الشعبي الجماهيري” .
العنوان : تخزين المواد الغذائية والمياه في الدول الغربية استعداداً للأسوأ
الوصف : كشفت صحيفة “ميل أون لاين” اللندنية عن قيام أعداد كبيرة من الأسر البريطانية والأمريكية بالتأهب لمواجهة كوارث قد تكون أصعب من الأزمة الاق...

0 الردود على "تخزين المواد الغذائية والمياه في الدول الغربية استعداداً للأسوأ"

إرسال تعليق