انسحاب البرادعى ، كذبة وصدقها الجميع، وإليكم الحقيقة كاملة !!



يُحكى أن أعرابياً كان يعاهد حية,كانت تسكن فى جحر فى أرضه,على ألا تعتدى عليه وألا يعتدى عليها,ولكنه وجدها ذات مرة وهى نائمة لا تراه,فسحب فأسه وقرر أن يقتلها بفأسه,وعندما هوى عليها أخطأتها الضربة,ونزلت الفأس على الأرض وتركت علامة,فاستيقظت الحية على الصوت,ووقفت للأعرابى فى وضع الهجوم,فطلب منها أن يعود العهد بينهما كما كان,فقالت له الحية"كيف أعاهدك وهذا أثر فأسك"!!

القصة خرافية بالطبع,وكان العرب قد أخذوا العبارة مثلاً,على كل من ينقض العهود!!

انتشر خبر انسحاب الدكتور"محمد البرادعى",من سباق انتخابات الرئاسة فى مصر,كما تنتشر النار فى بقعة بنزين,وصار الخبر الأول على كل المواقع الإخبارية,وهذا شىء طبيعى بالطبع,مع الرجل الذى صار ملىء السمع والبصر,.قبل وبعد الثورة,سواءاً بأعاصير الهجوم عليه,أو موجات الإعجاب به,ولكن الغريب فى الموضوع,أن الكل أجمع على أن القرار كان مفاجئاً,وهذا هو الخطأ الأول الذى وقع فيه الجميع,فقرار الرجل كان متوقعاً بالفعل,وإن أتى فى التوقيت غير المناسب!!

وهنا يظهر الخطأ الثانى,الذى وقع فيه المحللون,الذين ابتُلينا بهم فى هذا الزمن,وهو أن هذا القرار قد جاء مبكراً,وربما يكون مقصوداً قبل 25 يناير القادم,والحقيقة أنه قرار متأخرٌ جداً,وربما يرجع هذا لطبيعة البرادعى الهادئة,التى تتأنى قبل اتخاذ أى قرار,فمنذ طرح اسم البرادعى,لرئاسة حكومة انقاذ وطنى,أو المشاركة فى مجلس رئاسى مدنى,وقد بدا اصرار العسكر واضحاً على استبعاده,بدعوى أنه شخصية غير مقبولة,وهو بالفعل شخصية غير مقبولة,لكل من يريد الجمهورية القادمة غير مدنية,بمعنى آخر عسكرية أو دينية!!

فلا العسكر يريدون التنازل عن مكتسباتهم,منذ عام 52,ولا القوى الإسلامية, تريد أن تفهم بأن الدولة المدنية,تعنى الحكم بواسطة مدنيين,بالمرجعية التى يرتضيها الشعب,ويُصرون على تفسيرها بأنها علمنة للدولة,واقصاء للدين من الحياة,كما يريد العلمانيون,وقد تمثل ذلك فى كارثة الإستفتاء,على التعديلات الدستورية,والذى تحول وكأنه سؤال عن"هل توافق على بقاء الإسلام فى مصر,أو عودته مرة أخرى لشبه الجزيرة العربية",وكأن مجرد استفتاء سوف يمحو 14 قرن من ذاكرة المصريين!!

أما الخطأ الثالث,الذى وقع فيه الجميع,فهو أن البرادعى لم ينسحب أساساً!!,لسبب بسيط جداً,أن السباق لم يبدأ بعد,فباب الترشح لم يُفتح,حتى يُعلن أحد انسحابه منه,وحتى يفرح بالانسحاب من فرح به,ويبكى كذلك من بكى عليه,فالبرادعى أراد أن يثبت للجميع,حتى آخر لحظة,بأنه سياسى محنك,ويعلم جيداً أين يضع خطواته,وهل هى على أرض صلبه,سوف تصل به للنهاية,أم أن الأرض رخوة,وسيغوص فيها من يطؤها حتى أذنيه!!

والحقيقة أن قرار الرجل,كان صفعة قاسية ليس للعسكر فحسب,ولكن للمرشحين المحتملين كذلك,ولا يجب أن يغضب أحد,فقد أيقن الرجل الذى لعب اللعبة كثيراً فى المنظمة الدولية,وكان يطرح نفسه حتى بدون غطاء من دولته,أن الإنتخابات لعبة توازنات,وأن الإخوان هم رمانة الميزان لأى مرشح فى الشارع,ولكن فى النهاية العسكر يريدون من يرتضوه,والإخوان يريدون تجنب الصدام,على الأقل حالياً,ويبدو أن الصفقة هى أن نمرر لكم الرئيس,ويبقى لنا البرلمان ورئاسة الوزارة,خصوصاً بعد الاجتماع مع المندوب السامى الأمريكى,والإعلان على عدم المساس بكامب ديفيد!!

يبقى هنا المرشح الرئاسى,بالتوافق بين العسكر وبين الإخوان,لتجنب الصدام المرتقب,وبالطبع يجب ألا يكون المرشح من الإخوان ولو حتى سابقاً"برلمان ورئاسة فماذا سيبقى للعسكر",وليس من السلفيين بالطبع,والأكيد أن أى رمز ثورى مرفوض,يبقى المرشح العسكرى السابق,والمرشح خادم النظام السابق,أما الباقى فمجرد كومبارس,حتى تخرج اللعبة بأحسن صورة!!

درسها البرادعى جيداً,ودرس كذلك الزيارات الأمريكية المتكررة,فى الفترة الأخيرة للقاهرة,ونتائج الإنتخابات والمزاج الشعبى,وحملات التشويه المستمرة عليه,وعلى شباب الثورة,والإصرار على بقاء هيكل النظام كما هو,فأثبت أخيراً أنه سياسى بارع,وأصلح الخطأ حتى قبل أن يقع فيه,وقرر أن يبقى حراً,كرمز باقٍ من الرموز التى دعت للتغيير,فى زمن كان الجميع فيه,يتسابق لتقبيل الأيادى!!

أدرك البرادعى أخيراً أنه كان مخطئاً,وأنه فى موقعه كمُنظر للثورة,أفضل كثيراً من خسارته لسباق,يجرى فيه وقدماه مكبلتين,بأطنان من التشويه والتخوين,بينما غيره يستعد للإقلاع بطائرة نفاثة,أو يتحصن آخر بحصانة دبلوماسية,وأدرك بأن العهود الديموقراطية لا تؤخذ ممن لاعهد له,وأن أثر الفأس مازال باقياً,ومن يتعامى عنه,يُصبح أبله البلهاء!!

عفواً يا من بكيتم لانسحاب الرجل,أنتم مخطئون فعلاً,فمكانه لم يكن هناك,ولعبة الصناديق ليست لأصحاب الأفكار المثالية,أما من فرحوا لانسحابه,فأسفى عليكم وعلى خيبتكم القادمة,فالمبارة لم تبدأ بعد,والكل مخدوع بنزاهة الحكم,الذى سيلغى كل هدف للفريق الخصم,حتى ولو لعب فيه ميسى,ليبقى الدرع بين أحضان القائد,الذى سيقول لبقية الفرق إنسى!!

برافو دكتور البرادعى,قرأت المشهد السياسى كالعادة,وتنبأت بما سيحدث فى المستقبل,وفعلتها أخيراً بعد أن فهمت اللعبة,التى لم يفهمها آخرون يضحكون حالياً,ومن يفهم أخيراً يبكى كثيراً!!

ايهاب فاروق
العنوان : انسحاب البرادعى ، كذبة وصدقها الجميع، وإليكم الحقيقة كاملة !!
الوصف : يُحكى أن أعرابياً كان يعاهد حية,كانت تسكن فى جحر فى أرضه,على ألا تعتدى عليه وألا يعتدى عليها,ولكنه وجدها ذات مرة وهى نائمة لا تراه,ف...

0 الردود على "انسحاب البرادعى ، كذبة وصدقها الجميع، وإليكم الحقيقة كاملة !!"

إرسال تعليق